بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، وعلى آله وصحبه الفائزين برضى الله، أما بعد:
إخواني الكرام وأحبتي الأعزاء،
إنه لمن دواعي سروري وفخري أن أقف أمامكم في هذه اللحظات المبهجة، حاملًا إليكم خطبةً وجيزةً تحت عنوان "رسول الإسلام رحمة للعالم".
يا معشر السادة، إن من المؤسف أن نرى في أيامنا هذه من يتهاجمون نبينا الكريم بألفاظ نابية تُظهر جهلهم وحقدهم، فيصفونه بالإرهاب والإفظاء، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم، خير قدوة وسراج هداية، أبعد الناس عن الظلم والعدوان، وأرحم البشر برحمةٍ وشفقةٍ تفيض من قلبه، ليتواضع في سلوكه ويرشد أولاده إلى طريق العفو عند المقدرة.
إن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي سُمي بالأب الرحيم، هو الذي علمنا أن الرحمة ليست قيدًا وإنما هي شجرةٌ تتفرع منها كل معاني العطاء واللطف. كما قال الشاعر الإسلامي أحمد شوقي في وصفه للنبي:
"وإذا رحمت فأنت أم أب، هذان في الدنيا هما الرحماء."
وهذه الصورة تُعبّر عن حقيقة أن الرحمة تشمل الجميع؛ فهي تُلامس شيوخنا وكبارنا، شبّاننا الأقوياء، وأطفالنا الأبرياء، حتى امتدت لتشمل مخلوقات الله كافة من الحيوانات والحشرات والأشجار، إذ أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نهرًا جارفًا من المحبة والمودّة.
إن انتشار الإسلام في العالم لم يكن عنيفًا كما يُزعم، بل كان بفضل أشعّة الرحمة التي انبعثت من قلب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان رحمة الله في الأرض، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله:
"فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"
صدق الله العليّ العظيم.
دعونا نستذكر قصةً قصيرة تُظهر بوضوح قدر رحمة نبينا الكريم؛ ففي إحدى المرات، جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي: "إمسح رأس اليتيم وأطعم المسكين." فهنا تجسّد الحنان الأبوي الذي طالما افتقده الأيتام، حيث كان النبي يمسح رؤوسهم، يمحو دموعهم، يضمّد جراحهم، ويلبسهم لباسًا حميلاً، فيكون بذلك القدوة المثلى في معاملة الضعفاء.
ولنسمع معًا ما رواه أبوموسى الأشعري رضي الله عنه، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسمي نفسه بأسماءٍ تفيض رحمة، منها: "أنا محمّد، وأحمد، والمقضي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة." وقد تجلت رحمته أيضًا في معاملة الحيوانات والطيور؛ فقد كان النبي شديد الغضب والمؤاخذة لمن تقسو قلوبهم على مخلوقات الله، حتى جاء في الحديث الشريف: "دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تطعهما ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض."
يا إخوتي، أنظروا إلى السماء؛ حيث تشع الشمس بابتسامة كأنها تفرح برحمة نبينا، وإلى الكواكب التي تلتمع في الأفق، لعلها شهدٌ على شفقة النبي صلى الله عليه وسلم التي أضاءت الدروب. فاستفيقوا من سباتكم، وتعلموا رحمة نبيكم وعمّموا شفقته بين الناس، فإن في ذلك موعظة وعبرة، وهو السبيل لنشر نور الإسلام الحنيف.
وفي الختام، أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعًا لنتبنى قيم الرحمة والمحبة في تعاملاتنا، وأن يجعلنا من الناشرين لرسالة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان رحمةً للعالمين.
سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comments:
Post a Comment