بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني وأخواتي،
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نجتمع اليوم لنتأمل في معاني الإسلام الوسطي، ذلك الدين الذي وسّع أفق الإنسان وأرسى ميزان العدل والاعتدال، وهو دين لا يميل إلى التطرف ولا ينحرف عن ميزان الوسطية الذي أفخر به هذا الدين ويعتز به أهل الحق.
أيها الأحبة، تذكروا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، إذ جاء ثلاثةٌ يسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن عبادته، فظهرت صفاتهم المتفرقة: أحدهم يقول: "إنّي أصوم ولا أفطر"، وآخر: "إنّي أصلّي ولا أنام"، والثالث: "إنّي لا أتزوّج النساء". فلما استزادت صفاتهم غرابةً، بادر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن يعلّمهم سرّ الإسلام، قائلاً: "أما والله إنّما ديننا وسطٌ؛ فأنا أخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي."
وهنا نجد صورة الإسلام الحنيف الذي دُعي بالوسطية، فسبِّل الله لنا السبيل القويم، وجعلنا أمّة وسطاً كما جاء في محكم تنزيله:
"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس"
صدق الله العلي العظيم.
يا أهل الحق، إن في هذا النداء ما يشبه أنغام الشاعر الذي امتطى رياح الكلمة، فأصبحت وسطيّة ديننا وقاعدة حضارتنا زمام الأمان ورمزاً للاتزان في زمن تتلاطم فيه أمواج الفتن وتتصاعد فيه إشاعات تفتت أواصر وحدتنا. إنّنا اليوم، ونحن نرتدي جلباب الإسلام الذي نُفخر به، نرى كيف أن أعداء الدين يسعون بتفانٍ إلى تشويه صورته وإفساد معانيه، ليحوّلوه إلى سلاح ينزف به الضعفاء وتُهمّش به أرواحنا.
أيتها النفوس الطيبة، إنّ من واجبنا أن نكون بمثابة النور الذي يضيء الدروب للباحثين عن الحق، أن نحافظ على فطرة الله التي فطرنا عليها دون ميل إلى إفراطٍ أو تفريط. نحن نسعى لأن نكون ذلك الإنسان المعتدل الذي لا ينحرف عن الوسطية، ذلك الإنسان الذي يسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق، متسلحاً بميزان الإنسانية ومُستنيراً بضياءِ الحق.
ولنترك خلفنا تلك الانقسامات التي تقسم صفوفنا، ولنرسِّ معاً على أركان الوحدة والاعتدال، فهكذا كان الإسلام، وهكذا هو ديننا، دين ينبت في قلوبنا عطر الإيمان ونسيم السلام، ويمنحنا القوة لنكون أوفياء لسنّة نبيّنا الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم.
فليكن شعارنا: "نعيش بالوسطية، ونرتقي بالاعتدال، ونبني أمةً يسودها الحق والعدالة."
وفي الختام، أسأل الله أن يوفقنا لطريق الحق، وأن يرسخ في قلوبنا روح الوحدة والإخاء، وأن يجعلنا من أهل الوسطية الذين يمشون على الأرض بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comments:
Post a Comment