بسم الله الرحمن الرحيم
سيداتي وسادتي،
أعزّائي الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسرُّني اليوم أن أشارككم تأمّلاتٍ روحيةً عميقةً حول معجزاتِ القرآن الكريم، ذلك الكتاب العظيم الذي أنزله الله جلّ وعلا هدايةً للبشرية وأمانةً في صدورهم، لينير دروب الحياة ويهدينا سُبُل السلام والنجاح في الدنيا والآخرة.
إنّ القرآن ليس مجرد نصٍ محفوظٍ بل هو معجزةُ الخلقِ والإعجازِ اللفظيِّ والعلميِّ، ففي آيةٍ من آياته المباركة يقول الله تعالى:
"لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله"
هذه الآية تُبين مدى عظمةِ كلام الله وقدرته على إحداثِ تحولٍ في الطبيعةِ والقلوب، إذ إنّها تُشير إلى أنَّه لو طُبّق على أعظمِ الثوابتِ في الكون، لما استطاعَ أن يحتفظَ بصلابته إلاّ بهشوعٍ وتذلّلٍ من خشية الخالق.
أيها الإخوة، إنّنا نعيشُ في زمانٍ تتشابكُ فيه أمواجُ الفتن وتعلو فيه أصواتُ التحدي والانحراف عن منهجِ الوسطية التي أرساها الإسلام، دينُ الاعتدال والتوازن الذي يدعو إلى فهمٍ عميقٍ لرسائله. فإنّنا نقرأ كتاب الله حسب نغماته ومقاطعاته، لكنّنا في كثيرٍ من الأحيان نبتعد عن تأمّله وفهم معانيه الجليلة؛ نرتّلُ آياته دون أن نغوصَ في بحورِ معجزاته والعبرات التي تخاطبُ أرواحنا وتنيرُ عقولنا.
إنّ للقرآن في مضامينه مرساةً تبعثُ فينا الأمل وتفتحُ لنا أفاقَ الحياة الطيبة والسعادة الدائمة؛ فهو يقرّن بين الماضي والعبرة، وبين حكايات الأمم السابقة وعِبرِها، فيُذكّرنا بما قضى الله على مَن كفر وأهلك الظالمين، كما يقول الله تعالى:
"فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكا"
وهنا يتجلّى مفهوم الضنك الذي يعيش في القلوب والبيوت والأموال حينَ يبتعد الإنسان عن الله وعن معاني الإيمان الحق.
يا أحبة الإيمان، إنّ زماننا هذا الذي تجتاحه الماديات وننسى فيه آثار الإلهيات، يُعدّ تحدياً لنا جميعاً؛ فهو يدعونا إلى العودة إلى مصادرِ النور والمعرفة، وإلى التأمّل العميق في الآيات التي تحيط بنا في كلّ لحظةٍ، لتكون لنا نبراساً يُضيء ظلماتنا ويحرّرنا من أسر الغفلة والابتعاد.
دعونا نستذكر معاً دروس الصحابة والرموز الإسلامية؛ فها هو الصحابي الجليل، الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي تحول من حضيض الكفر إلى منارة للإسلام بفضل تأمّله العميق في آيات الله، وها هو الصوفيُّ الفضيل، ووليُّ الله فضيل بن عياض رحمه الله، الذي ترك وراءه دروبَ الباطل ليلجأ إلى تعاليم الإسلام الصادقة، منطلقين من كلمات الله:
"ألم يئن للذين آمنوا أن يخشع قلوبهم لذكر الله"؟
فيا إخواني، إنّ القرآن الكريم يرشدنا إلى الحياة الناجحة والسعادة الأبديّة بتأمّلاتٍ وعبرٍ لا تُحصى؛ علينا أن نرجع إليه بقلوبٍ صادقةٍ وعقولٍ متيقظةٍ، أن نتلوه ونتدبّره كما حُفّظت لنا سنّة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن نُعيد للعالم صورة الإسلام الحنيف، دين الوسطية والاعتدال، الذي هو سرُّ الأمن والإيمان الحقيقي.
ختاماً، أدعوكم جميعاً إلى السير على دربِ القرآن، والاستعانة به في كلّ خطوةٍ تخطونها نحو حياةٍ مُستقرةٍ مليئة بالأمل والطمأنينة؛ إنه السبيل إلى معيشةٍ هانئة متزنة بميزان الإنسانية، والله هو الهادي والمنصر.
سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.