Sunday, 28 February 2016

قصيدة عن مرثيّة النظّارة.....

إنكسرتِ النظارةُ في سُباتِ الليلِ المُهَجَّرِ،
وكأنَّ وجعي صارَ نجمًا يختالُ في أسى السَّحرِ؛
كانت عيونِي المكتحلةُ، بضياءِ الفجرِ متألقةً،
كأنها بدرٌ في سماءِ عشقٍ، لامسَ قلبَ السَّحرِ.

احتضنتني بيدَيْها كنسيمِ ربيعٍ في سهولِ الوِصالِ،
وربطتني بصدرِها الوضاءِ، كعهدٍ في زمنِ الأمالِ؛
تولّت الحراسةُ على بَصائِرِي، أنسجتُ من نورِها قصائدَ خيالٍ،
على مائدةِ ودِّها المُلموسةِ، شَذى الذكرى وأسرارِ الوِصالِ.

ما أدري طعمَ الغمضِ في سرِّه، إذ حلَّ المنديلُ بالبَينِ،
ظننتُ أنَّ المنديلَ سلاحُ الفراقِ، يُشقُّ بهِ الوصالَ واليقينِ؛
فانعزلتْ القلوبُ بسوءِ التفاهمِ، وانحَرَت النفسُ في ضياعِ الهوى،
كما يهيمُ النهرُ ضالاً في مسالكَ الزمانِ بينَ الذكرى والجنينِ.

يا ليتَ تلكَ النظارةَ كانتْ شفيعةَ لقاءٍ ودائمِ السُّرورِ،
تحملُ في طيّاتِها أشعارَ عشقٍ، تنسابُ كندى الفجرِ في السُّرورِ؛
واليومَ باتتْ مرثيةَ عشقٍ، تنوحُ على ماضٍ ذابِلِ الوصالِ،
وتمضي الأيامُ، ونحنُ عاشقونَ، على ضفافِ حلمٍ من فؤادِ الخلودِ.






Tuesday, 23 February 2016

خطبة عربيّة: كيف نبني أمّة وسطيّة ؟......

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني وأخواتي،
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نجتمع اليوم لنتأمل في معاني الإسلام الوسطي، ذلك الدين الذي وسّع أفق الإنسان وأرسى ميزان العدل والاعتدال، وهو دين لا يميل إلى التطرف ولا ينحرف عن ميزان الوسطية الذي أفخر به هذا الدين ويعتز به أهل الحق.

أيها الأحبة، تذكروا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، إذ جاء ثلاثةٌ يسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن عبادته، فظهرت صفاتهم المتفرقة: أحدهم يقول: "إنّي أصوم ولا أفطر"، وآخر: "إنّي أصلّي ولا أنام"، والثالث: "إنّي لا أتزوّج النساء". فلما استزادت صفاتهم غرابةً، بادر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن يعلّمهم سرّ الإسلام، قائلاً: "أما والله إنّما ديننا وسطٌ؛ فأنا أخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي."
وهنا نجد صورة الإسلام الحنيف الذي دُعي بالوسطية، فسبِّل الله لنا السبيل القويم، وجعلنا أمّة وسطاً كما جاء في محكم تنزيله:
"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس"
صدق الله العلي العظيم.

يا أهل الحق، إن في هذا النداء ما يشبه أنغام الشاعر الذي امتطى رياح الكلمة، فأصبحت وسطيّة ديننا وقاعدة حضارتنا زمام الأمان ورمزاً للاتزان في زمن تتلاطم فيه أمواج الفتن وتتصاعد فيه إشاعات تفتت أواصر وحدتنا. إنّنا اليوم، ونحن نرتدي جلباب الإسلام الذي نُفخر به، نرى كيف أن أعداء الدين يسعون بتفانٍ إلى تشويه صورته وإفساد معانيه، ليحوّلوه إلى سلاح ينزف به الضعفاء وتُهمّش به أرواحنا.

أيتها النفوس الطيبة، إنّ من واجبنا أن نكون بمثابة النور الذي يضيء الدروب للباحثين عن الحق، أن نحافظ على فطرة الله التي فطرنا عليها دون ميل إلى إفراطٍ أو تفريط. نحن نسعى لأن نكون ذلك الإنسان المعتدل الذي لا ينحرف عن الوسطية، ذلك الإنسان الذي يسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق، متسلحاً بميزان الإنسانية ومُستنيراً بضياءِ الحق.

ولنترك خلفنا تلك الانقسامات التي تقسم صفوفنا، ولنرسِّ معاً على أركان الوحدة والاعتدال، فهكذا كان الإسلام، وهكذا هو ديننا، دين ينبت في قلوبنا عطر الإيمان ونسيم السلام، ويمنحنا القوة لنكون أوفياء لسنّة نبيّنا الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم.

فليكن شعارنا: "نعيش بالوسطية، ونرتقي بالاعتدال، ونبني أمةً يسودها الحق والعدالة."
وفي الختام، أسأل الله أن يوفقنا لطريق الحق، وأن يرسخ في قلوبنا روح الوحدة والإخاء، وأن يجعلنا من أهل الوسطية الذين يمشون على الأرض بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

.خطبة عربيّة: تأمّلات حول المعجزات القرآنية....

بسم الله الرحمن الرحيم

سيداتي وسادتي،
أعزّائي الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يسرُّني اليوم أن أشارككم تأمّلاتٍ روحيةً عميقةً حول معجزاتِ القرآن الكريم، ذلك الكتاب العظيم الذي أنزله الله جلّ وعلا هدايةً للبشرية وأمانةً في صدورهم، لينير دروب الحياة ويهدينا سُبُل السلام والنجاح في الدنيا والآخرة.

إنّ القرآن ليس مجرد نصٍ محفوظٍ بل هو معجزةُ الخلقِ والإعجازِ اللفظيِّ والعلميِّ، ففي آيةٍ من آياته المباركة يقول الله تعالى:
"لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله"
هذه الآية تُبين مدى عظمةِ كلام الله وقدرته على إحداثِ تحولٍ في الطبيعةِ والقلوب، إذ إنّها تُشير إلى أنَّه لو طُبّق على أعظمِ الثوابتِ في الكون، لما استطاعَ أن يحتفظَ بصلابته إلاّ بهشوعٍ وتذلّلٍ من خشية الخالق.

أيها الإخوة، إنّنا نعيشُ في زمانٍ تتشابكُ فيه أمواجُ الفتن وتعلو فيه أصواتُ التحدي والانحراف عن منهجِ الوسطية التي أرساها الإسلام، دينُ الاعتدال والتوازن الذي يدعو إلى فهمٍ عميقٍ لرسائله. فإنّنا نقرأ كتاب الله حسب نغماته ومقاطعاته، لكنّنا في كثيرٍ من الأحيان نبتعد عن تأمّله وفهم معانيه الجليلة؛ نرتّلُ آياته دون أن نغوصَ في بحورِ معجزاته والعبرات التي تخاطبُ أرواحنا وتنيرُ عقولنا.

إنّ للقرآن في مضامينه مرساةً تبعثُ فينا الأمل وتفتحُ لنا أفاقَ الحياة الطيبة والسعادة الدائمة؛ فهو يقرّن بين الماضي والعبرة، وبين حكايات الأمم السابقة وعِبرِها، فيُذكّرنا بما قضى الله على مَن كفر وأهلك الظالمين، كما يقول الله تعالى:
"فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكا"
وهنا يتجلّى مفهوم الضنك الذي يعيش في القلوب والبيوت والأموال حينَ يبتعد الإنسان عن الله وعن معاني الإيمان الحق.

يا أحبة الإيمان، إنّ زماننا هذا الذي تجتاحه الماديات وننسى فيه آثار الإلهيات، يُعدّ تحدياً لنا جميعاً؛ فهو يدعونا إلى العودة إلى مصادرِ النور والمعرفة، وإلى التأمّل العميق في الآيات التي تحيط بنا في كلّ لحظةٍ، لتكون لنا نبراساً يُضيء ظلماتنا ويحرّرنا من أسر الغفلة والابتعاد.

دعونا نستذكر معاً دروس الصحابة والرموز الإسلامية؛ فها هو الصحابي الجليل، الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي تحول من حضيض الكفر إلى منارة للإسلام بفضل تأمّله العميق في آيات الله، وها هو الصوفيُّ الفضيل، ووليُّ الله فضيل بن عياض رحمه الله، الذي ترك وراءه دروبَ الباطل ليلجأ إلى تعاليم الإسلام الصادقة، منطلقين من كلمات الله:
"ألم يئن للذين آمنوا أن يخشع قلوبهم لذكر الله"؟

فيا إخواني، إنّ القرآن الكريم يرشدنا إلى الحياة الناجحة والسعادة الأبديّة بتأمّلاتٍ وعبرٍ لا تُحصى؛ علينا أن نرجع إليه بقلوبٍ صادقةٍ وعقولٍ متيقظةٍ، أن نتلوه ونتدبّره كما حُفّظت لنا سنّة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن نُعيد للعالم صورة الإسلام الحنيف، دين الوسطية والاعتدال، الذي هو سرُّ الأمن والإيمان الحقيقي.

ختاماً، أدعوكم جميعاً إلى السير على دربِ القرآن، والاستعانة به في كلّ خطوةٍ تخطونها نحو حياةٍ مُستقرةٍ مليئة بالأمل والطمأنينة؛ إنه السبيل إلى معيشةٍ هانئة متزنة بميزان الإنسانية، والله هو الهادي والمنصر.

سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  


خطبة عربية: دور المتعلّم في تنشيط المجتمع ....

بسم الله الرحمن الرحيم

سيداتي وسادتي، أعزّائي الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نلتقي اليوم في هذه الجلسة المباركة لنناقش معًا موضوعًا في غاية الأهمية: "دور المتعلّم في تنشيط المجتمع". إنّا نعيش عصرًا تزحف فيه التقاليد الغربية والعادات اللاإسلامية، فتدفع أبنائنا نحو الانحراف دينيًا وسلوكيًا، وتفرّق روابطنا الأسرية والاجتماعية. وفوق كل ذلك، يترصد لنا أعداء الأمة الإسلامية في الخفاء، يسعون لافتعال قضايا تُضعف وحدة صفوفنا.

أيها الإخوة، إننا في زمن يحتاج فيه المجتمع إلى قادة يعلّمون شؤون الناس، يمسحون دموعهم، ويعالجون مشكلاتهم، ويوجهونهم إلى ما أرشدهم إليه ربهم شرقا وغربا. إنّها مسؤولية عظيمة لا يمكن لأحد أن يتوانى عنها؛ فإصلاح الأمة وإنتقالها من حضيض التخلّف إلى قمم الرقي والارتقاء هو واجب مقدس على كل فردٍ منا.

فلنتأمل معًا ما جاء في محكم تنزيله:
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"
صدق الله العليّ العظيم.

إن العلوم في الإسلام ليست مجرد معارف تحفظها الأذهان، بل هي نشاط تعليمي متكامل يشمل التعاون وتبادل الخبرات، ويُعتبر دعوة صادقة للارتقاء بالفكر والسلوك. لذا، يجب على كل طالب أن يلعب دورًا فعالاً في إعداد نفسه لمواجهة تحديات المجتمع ومناهجه المتباينة، ساعيًا لأن يكون جسراً بين الماضي الحافل بالحكمة والمستقبل المشرق بالإنجاز.

استذكروا يا إخوة الإيمان ما قاله الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه حين سئل من ملك فارس عن دوره في العالم، فأجاب:
"والله ابتعثنا لنخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة الرحمن وحده."
بهذا، نستلهم أن يكون المتعلّم منارات تهدي بهجاء الدروب وتنير ظلمات الحياة.

أيها الشباب، أيها أبناء الإسلام، هبوا بضمائركم الحية وتجمّلوا بأخلاقكم وسلوككم، لتكونوا هم عماد أمتنا، خير أمّة خرجت، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. إن مسؤولية إصلاح المجتمع لا تقع على عاتق أحد بمفرده، بل هي جبهة جماعية نرفع فيها راية الحق، والله سبحانه وتعالى هو المولى والنصير.

فلنجعل من العلم سلاحًا نرد به على كل مخلّفٍ يحاول أن يشتت وحدة صفوفنا، ولنعمل معًا على إحياء تراثنا الإسلامي الأصيل، متسلحين بمعارفٍ قيمة وقيمٍ سامية، نستعيد بها مكانتنا في هذه الدنيا ونصنع غدًا أفضل لأمتنا.

سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Monday, 22 February 2016

خطبة عربية: إستمتع بحياتك...

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، وعلى آله وصحبه الفائزين برضى الله.

أخوتي الأعزاء، سيداتي وسادتي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اليوم، نلتقي في هذه المناسبة المباركة تحت عنوان "استمتع بحياتك"، لنتأمل معاً في معاني الجمال والاعتدال في ديننا الحنيف. إن ديننا جاء ليحوّل حياتنا من ضيقها إلى سعتها، ومن مشقتها إلى استمتاعها بترتيبٍ يليق بخلق الله الكريم. لقد علمنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نحرص على زينة الدنيا مع الحفاظ على تواضع القلب؛ إذ يروى أن أحد الصحابة، وقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ثوبه نظيفاً ورأسه مزيناً، فسأله النبي: "أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟" فرد قائلاً: "لا، إن الله جميل يحب الجمال، والكبر من سفه الحق وازدراء الناس".

إن ربّنا جلّ قدرته يريد لنا أن نختار أجمل ما في الحياة، أن نتمتع بما رزقنا الله من ملبس وطيب ومنزل ومركب، فيسعَ شريعته إلى تزويدنا بكل ما يبهج النفس ويُرضي القلب. وقد أوجب الله ذلك بقوله في محكم تنزيله:
"قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۖ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
صدق الله العليّ العظيم.

فلنتأمل معاً في سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه، ذلك الفتى الذي امتاز بشبابه وجماله، والذي كان له أثرٌ باهر في مكّة؛ إذ كان يُلبس الحضرميّة من النعال، وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "ما رأيت بمكّة أحسن لمّة ولا أرقّ حلّة، وأنعم نعمة من مصعب بن عمير". هكذا يُظهر الإسلام أن الاستمتاع بالحياة لا يتعارض مع التقوى، بل يُضفي على المظهر جمالاً وحضوراً يُعبّر عن السعادة التي يستشعرها الإنسان إذا ما عاش وفق قيم الدين.

أيها الإخوة، إن الاستمتاع بالحياة الحقيقي قائم على وجود مشاعر وأحاسيس متبادلة بين الناس؛ فلا يجوز لنا أن نُذلّ أنفسنا أو نشقيها. بل على العكس، يجب أن نحرص على أن نعيش حياة سعيدة ومُتوازنة، تُعيد إلى النفوس بهجتها وتُجدد روابط المحبة والإنسانية فيما بيننا.

فلم لا نتعامل مع بعضنا بهذه القيم؟ لماذا لا نُظهر تلك المشاعر والأحاسيس التي تحفّزنا على حب ديننا؟ إن جمال الإسلام وكماله يجعلاننا إنساناً يمشي على الأرض بثقة واعتزاز، ويستمتع بالحياة دون أن نغفل عن قيمنا الأخلاقية والدينية.

أخوتي الكرام، إن الله يتولى أمرنا وينصرنا، فإذا عرفتم جمال دينكم وجلال معانيه، ستكونون رمزاً للإسلام الحقيقي، حياة تنبض بالمحبة والاعتدال.

سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



Sunday, 21 February 2016

خطبة عربية: معاني رحمة الله....

بسم الله الرحمن الرحيم ، الصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين ، أما بعد : سادتي وأعزائي  "معاني رحمة الله"  هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذه المناسبة العطرة. 

 فيا أحبتي في الله - أوّلا وقبل كل شيئ  أودّ أن أنتقل بسعادتكم إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى مجموعة من الكفار الذين قبضوا أسارى من معركة حنين وفي هذه الأثناء رأى عليه الصلات والسلام إمرأة منهم تطوف بينهم وهي تبحث عن ولدها ، وبينما هي باحثة عن طفلها لقيها غلامها فما لبثت أن ضمّته إلى صدرها وألقته ثديها فلمّا راها النبي صلى الله عليه وسلّم قال للأصحاب الذين كانوا ينظرون إليها " أترون هذه، أترون هذه طارحة ولدها في النّار " فقالوا :  لا لا يا رسول الله ، والله لا تطرحه في النّار وكيف تطرحه  فقال عليه الصّلاة والسّلام : " والّذي نفسي بيده، إنّ الله أرحم بعباده من هذه الأمّة بولدها" .                             
أجل يا سادتي وإخواني ، إنّ ربّنا جلّت قدرته قسّم رحمته أجزاءا وأنزل فينا رحمة منها وأمّا ما نراها اليوم في أنفسنا وفيما حولنا من رحمات وبركات فإنّما هي رحمة الله الوحيدة التي تتجزّأ من مئاتها، وبها تجعل المرئ ليّنا رقيقا ويصير صاحبها عطوفا مشفقا وبها تتراحم الخلائق وتتعاطف البهائم حتى ترفع الدابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبها . وهذا ما قال ربّنا جلّت قدرته في محكم تنزيله " ورحمتي وسعت كلّ شيئ فسأكتبها للّذين يتّقون" صدق الله العظيم.                                                                                                   
تعالوا يا إخوة الإسلام ، انظروا إلى السماء حتى تصل أعينكم إلى الشمس التي طلعن ضاحكة مستبشرة تفرح برحمة الله المنّان . وانظروا إلى القطرات الممطرة والكواكب المستنيرة وهي ماتلألأت في صفحاتها ونسجت خيوطها إلاّ بما رأت من محاسن قدرة الله ورحمته . تفكّروا يا إخوة الإيمان ، فأين نحن من هذه العجائب والمعجزات . نعم ، عندما نتأمّل معاني هذه الرحمة وثناياها الباهرة تتجلّى أمامنا صورها وأعجوبتها وتتّضح لنا أنّ رحمة الله وسعت الخلق جميعا، مؤمنهم وكافرهم ، برّهم وفاجرهم، تقيّهم وشقيّهم كما أنّها  وسعت للحيوان الأعجم والنّبات الأخضر والجماد الأصمّ.                                                                                   
ففي إحدى المرّات ، دخل على رسول الله صلىّ الله عليه وسلّم أعرابيّ وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل ابنه الحنون حسن بن عليّ رضي الله عنهما فقال الأعرابيّ إنّ لي عشرة أولاد ما قبّلت واحدا منهم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم "من لا يرحم لا يرحم". نعم يا إخوة الإيمان ، إنّ الرحمة عنصر أساسيّ في الطبيعة البشريّة الخالصة وهي تجعل صاحبها مستحقّا للإشادة والتّكريم وأهلا لسعادة الأخرة كما ينادى إليها نبيّ الإسلام ورحمة للعالمين " إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".                                                             
ومن أجل هذه الرحمة يغفرالله لعباده المذنبين كما جاء في الخبر أنّ الله تعالى يقول إنّي أستحيي أن يرفع عبدي يديه إليّ فأردّهما خائبتين فرفع عبد يديه إلى السماء"ربّ اغفرلي" والملائكة تعلم فجوره وظلمه فتقول الملائكة ربّنا إنّه ليس أهلا للمغفرة فيقول الربّ لكنّني أهل للتقوى والمغفرة. ما أجمل هذه المعاني وما أحسن هذا التراحم وفّقنا الله أن يرحمنا جميعا برحمته التي وسعت كلّ شيئ، سامحوني بالختام ، واخر دعوتي أن الحمد لله ربّ العالمين.                                                                                                                           

             


Saturday, 20 February 2016

خطبة عربية: رسول الإسلام رحمة للعالم ..

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، وعلى آله وصحبه الفائزين برضى الله، أما بعد:

إخواني الكرام وأحبتي الأعزاء،
إنه لمن دواعي سروري وفخري أن أقف أمامكم في هذه اللحظات المبهجة، حاملًا إليكم خطبةً وجيزةً تحت عنوان "رسول الإسلام رحمة للعالم".

يا معشر السادة، إن من المؤسف أن نرى في أيامنا هذه من يتهاجمون نبينا الكريم بألفاظ نابية تُظهر جهلهم وحقدهم، فيصفونه بالإرهاب والإفظاء، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم، خير قدوة وسراج هداية، أبعد الناس عن الظلم والعدوان، وأرحم البشر برحمةٍ وشفقةٍ تفيض من قلبه، ليتواضع في سلوكه ويرشد أولاده إلى طريق العفو عند المقدرة.

إن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي سُمي بالأب الرحيم، هو الذي علمنا أن الرحمة ليست قيدًا وإنما هي شجرةٌ تتفرع منها كل معاني العطاء واللطف. كما قال الشاعر الإسلامي أحمد شوقي في وصفه للنبي:
"وإذا رحمت فأنت أم أب، هذان في الدنيا هما الرحماء."
وهذه الصورة تُعبّر عن حقيقة أن الرحمة تشمل الجميع؛ فهي تُلامس شيوخنا وكبارنا، شبّاننا الأقوياء، وأطفالنا الأبرياء، حتى امتدت لتشمل مخلوقات الله كافة من الحيوانات والحشرات والأشجار، إذ أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نهرًا جارفًا من المحبة والمودّة.

إن انتشار الإسلام في العالم لم يكن عنيفًا كما يُزعم، بل كان بفضل أشعّة الرحمة التي انبعثت من قلب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان رحمة الله في الأرض، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله:
"فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"
صدق الله العليّ العظيم.

دعونا نستذكر قصةً قصيرة تُظهر بوضوح قدر رحمة نبينا الكريم؛ ففي إحدى المرات، جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي: "إمسح رأس اليتيم وأطعم المسكين." فهنا تجسّد الحنان الأبوي الذي طالما افتقده الأيتام، حيث كان النبي يمسح رؤوسهم، يمحو دموعهم، يضمّد جراحهم، ويلبسهم لباسًا حميلاً، فيكون بذلك القدوة المثلى في معاملة الضعفاء.

ولنسمع معًا ما رواه أبوموسى الأشعري رضي الله عنه، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسمي نفسه بأسماءٍ تفيض رحمة، منها: "أنا محمّد، وأحمد، والمقضي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة." وقد تجلت رحمته أيضًا في معاملة الحيوانات والطيور؛ فقد كان النبي شديد الغضب والمؤاخذة لمن تقسو قلوبهم على مخلوقات الله، حتى جاء في الحديث الشريف: "دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تطعهما ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض."

يا إخوتي، أنظروا إلى السماء؛ حيث تشع الشمس بابتسامة كأنها تفرح برحمة نبينا، وإلى الكواكب التي تلتمع في الأفق، لعلها شهدٌ على شفقة النبي صلى الله عليه وسلم التي أضاءت الدروب. فاستفيقوا من سباتكم، وتعلموا رحمة نبيكم وعمّموا شفقته بين الناس، فإن في ذلك موعظة وعبرة، وهو السبيل لنشر نور الإسلام الحنيف.

وفي الختام، أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعًا لنتبنى قيم الرحمة والمحبة في تعاملاتنا، وأن يجعلنا من الناشرين لرسالة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان رحمةً للعالمين.
سامحوني على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Thursday, 18 February 2016

بحث أكاديمي عن إقامة المسلمين في ديار المخالفين

 إقامةُ المسلمين في ديار المخالفين: تحليل فقهيّ واجتماعيّ

الملخص

تتناول هذه الدراسة قضية إقامة المسلمين في بلاد غير إسلامية من منظورات فقهية واجتماعية، مع تسليط الضوء على التباين في الآراء الشرعية حول جواز الإقامة في ديار المخالفين. يستعرض البحث النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآراء الفقهية التقليدية والمعاصرة، مع التركيز على المقاصد الشرعية في حفظ الدين وحماية الهوية الإسلامية. كما يناقش البحث العلاقة بين التجنس ومفهوم المواطنة في الدول غير الإسلامية وأثرها على الممارسات الدينية والاجتماعية للمسلم.

المقدمة

تعتبر مسألة إقامة المسلمين خارج ديار الإسلام موضوعًا شائكًا يجمع بين الجوانب الفقهية والسياسية والاجتماعية. إذ يؤكد المبدأ الإسلامي أن أحكام الشريعة ثابتة؛ فمَا حُرّم في دين الله يظل حُرّمًا، ومَا أُبِيح فهو كذلك، بغض النظر عن البيئة التي يتواجد فيها المسلم. ومع ذلك، تظهر الحاجة في بعض الحالات إلى البحث عن بيئة تُمكن المسلم من أداء شعائره الدينية بحرية وأمان. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل القضايا المرتبطة بإقامة المسلمين في ديار المخالفين، مستندةً إلى الأدلة الشرعية والنصوص التفسيرية، مع مناقشة الآراء الفقهية المختلفة حول هذه المسألة.

مراجعة الأدبيات

تستند هذه الدراسة إلى مجموعة من المصادر الكلاسيكية والمعاصرة، منها:

  • النصوص القرآنية: حيث يُستدل على أن أحكام الله مطبقة في كل مكان (كما في قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ"…).
  • الأحاديث النبوية: مثل الحديث الذي رواه جرير بن عبد الله البجلي "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين"، والذي أثار جدلاً واسعًا بين العلماء.
  • الآراء الفقهية: تنقسم الآراء بين من يرى ضرورة إقامة المسلم في ديار المسلمين فقط (مثل موقف المالكية وابن حزم) وبين من يرى جواز الإقامة في بلاد غير إسلامية إذا توافرت شروط حفظ الهوية الدينية (كما يرى الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض العلماء المعاصرين كيوسف القرضاوي ووهيبة الزحيلي).
  • دراسات معاصرة: تناولت تأثير التجنس والمواطنة في الدول غير الإسلامية على الممارسات الدينية والاجتماعية للمسلمين، مؤكدًا أن الانتماء الوطني لا يقصد به التخلي عن الهوية الدينية.

المنهجية

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي؛ إذ يتم تحليل النصوص الشرعية والأدلة الفقهية من المصادر الأساسية والثانوية، ومقارنتها مع الواقع الاجتماعي والسياسي المعاصر. كما تُستند الدراسة إلى منهج المقاصد الشرعية الذي يركز على تحقيق المصلحة العامة للمسلم في حفظ دينه وكرامته.

المناقشة

الإقامة في ديار المخالفين من منظور شرعي

يتفق معظم العلماء على أن المسلم مطالب بإقامة عبادته والحفاظ على هويته الدينية سواءً في ديار المسلمين أو في بلاد غيرهم. ومع ذلك، يختلف الرأي في جواز الإقامة في الأراضي غير الإسلامية:

  • الرأي المقيد: يرى بعض الفقهاء (مثل المالكية وابن حزم) أن إقامة المسلم في بلاد غير إسلامية تُعدّ انتهاكًا لمبدأ الولاء للدين؛ إذ يُعرض المسلم لخطر الفتن ورؤية المنكرات، وقد استدلوا بالآية التي تشير إلى أن من يقيم في كنف الذل يظلم نفسه.
  • الرأي المرن: بينما يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض العلماء المعاصرين) أنه يجوز للمسلم الإقامة في بلاد غير إسلامية إذا كان قادرًا على إقامة شعائر دينه والحفاظ على هويته، كما جاء في الأحاديث التي تؤكد أن البلاد هي "بلاد الله" حيثما وُجد الخير.

التجنس والمواطنة

تظهر قضية التجنس كجزء من العلاقة القانونية والسياسية بين الفرد والدولة، ويشير بعض الباحثين إلى أن الجنسية اليوم تُعتبر وثيقة تنظيمية تُكفل الحقوق والواجبات دون أن تغير الانتماء الديني للمسلم. إذ يرى من يدعمون جواز التجنس أن الحفاظ على الهوية الإسلامية لا يتعارض مع الانخراط في المجتمع المدني للدولة غير الإسلامية، بينما يحذر معارضو التجنس من أن ذلك قد يؤدي إلى تآكل الولاء للدين والهوية الإسلامية.

الهجرة كحركة دعوية وجهادية

ترى النصوص الشرعية أن الهجرة ليست حركة انسحابية بقدر ما هي حركة ديناميكية تهدف إلى تحقيق المصلحة الشرعية للمسلم؛ فهي تُعتبر "فرارًا إلى الله" بهدف حماية النفس والدين، سواء كان ذلك بالانتقال إلى بلاد الإسلام أو إلى بيئة تُمكن من إقامة العبادات دون فتنة. ويستشهد الباحثون بالهجرات التاريخية (مثل هجرة الحبشة) لإثبات أن انتقال المسلمين إلى بيئات أفضل هو جزء من استراتيجية نشر الدعوة الإسلامية.

الخاتمة

تشير الدراسة إلى أن مسألة إقامة المسلمين في ديار المخالفين تحتاج إلى توازن دقيق بين الحفاظ على الهوية الدينية وضمان حقوق الفرد في المجتمع المدني. إذ ينبغي للمسلم أن يُقيّم بيئته من حيث تمكينه لممارسة شعائره الدينية وضمان سلامة نفسه وأسرته، سواءً في بلاد الإسلام أو خارجها. وفي ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، يُستدعى إعادة النظر في بعض الأحكام الفقهية بما يتماشى مع مقاصد الشريعة وحفظ المصلحة العامة.

قائمة المراجع 

"القرآن الكريم." القرآن، نسخة مصحف المدينة المنورة.

Abu Dawud. Sunan Abu Dawud. .

Al-Qaradawi, Yusuf. The Lawful and the Prohibited in Islam. American Trust Publications, 1989.

Al-Mawardi, Abu al-Hassan. The Ordinances of Government: Al-Ahkam al-Sultaniyya , University of Michigan Press, 1971.

Ibn Hajar al-Asqalani. Fath al-Bari. Dar al-Kutub, 1999.

Ibn Kathir. Tafsir Ibn Kathir. Dar-us-Salam Publications, 2000.

Ibn Hazm. Al-Fisal. Dar al-Ma'arif, 1992.

Tirmidhi, Jami` at-Tirmidhi. Sunan at-Tirmidhi..


بحث أكاديمي عن مجتمعات المخالفين وأقسام الدار

الفقه الإسلامي ومجتمعات المخالفين: دراسة في التقسيمات الدارورية والعلاقات الدولية


الملخص

تشغل قضايا الأقليات المسلمة وعلاقة دار الإسلام بدار الكفر حيزًا كبيرًا في الفقه الإسلامي المعاصر، خاصةً في ظل التحولات الجيوسياسية وتعقيدات العولمة. يُعد "فقه الأقليات" مدخلًا لفهم كيفية تعامل المسلم مع المجتمعات غير الإسلامية مع الحفاظ على الهوية الدينية والالتزام بالتشريع. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل التقسيمات الدارورية (دار الإسلام ودار الكفر) وموقع الأقليات الدينية في الفقه السني، مستندة إلى المصادر الأصلية (القرآن والسنة وكتب الفقه) والأبحاث الحديثة، مع استعراض المنظورين الكلاسيكي والمعاصر في ضوء التطورات الدولية.


المقدمة

تشكل مسألة إقامة المسلمين في ديار المخالفين محور نقاش دائم في الفقه الإسلامي، إذ تتداخل فيها القضايا الشرعية مع الأبعاد السياسية والاجتماعية. في ظل ظروف العولمة والتعددية الثقافية، تبرز الحاجة لإعادة النظر في كيفية تطبيق الأحكام الشرعية على الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على مفهوم التقسيم الداروري في الفقه الإسلامي، ومناقشة معالم العلاقات الدولية التي تؤثر على موقع المسلم في بلاد الكفر، مع الحفاظ على الهوية الدينية والمبادئ الشرعية الأساسية.


1. التصنيف الداروري في الفقه الإسلامي

1.1. دار الإسلام: التعريف والضوابط

تتنوع تعريفات دار الإسلام بين المذاهب الفقهية؛ ففي المذهب الشافعي يُعرّف دار الإسلام بأنها تلك الأرض التي يُظهر فيها المسلمون أحكام الدين، حتى وإن كانت تشكل جزءًا من مجتمع غير مسلم، شريطة سيادة المسلمين كما ورد في أعمال النووي و"روضة الطالبين" (ج4، ص204). بينما يشترط المذهب الحنفي وجود سيادة سياسية للمسلمين على الأرض؛ وهو ما تجسّده نصوص "المبسوط" للسرخسي (ج10، ص144).

1.2. دار الكفر: الأنواع والخصائص

تنقسم دار الكفر وفقًا للتوجه السياسي والعقائدي إلى:

  • دار الحرب: وهي التي تتصف بعداء واضح للإسلام، مثل الدول التي تشن حروبًا على المسلمين؛ استدل عليها ابن قدامة في "المغني" (ج9، ص289).
  • دار العهد: التي ترتبط بمعاهدات سلام مع دول الإسلام، حيث تتعايش المجتمعات مع المسلمين دون عداء؛ وقد تناولها الماوردي في "الحاوي الكبير" (ج14، ص497).

1.3. دار الفسق: إشكالية التصنيف

يثير تصنيف المناطق التي تنتهك فيها أحكام الشريعة جدلاً بين الفقهاء؛ حيث يرى ابن تيمية أن مثل هذه المناطق تُعامل معاملة دار الإسلام مع وجوب الإنكار (مجموع الفتاوى، ج28، ص240)، بينما يعتقد الشوكاني بأن غلبة المنكرات قد تُخرج المنطقة إلى خانة دار الكفر (نيل الأوطار، ج8، ص70).


2. الأقليات غير المسلمة في دار الإسلام

2.1. أهل الذمة: الحقوق والواجبات

تشمل فئة أهل الذمة اليهود والنصارى والمجوس وفقًا لبعض المذاهب؛ فقد تناولها الجصاص في "أحكام القرآن" (ج4، ص282). وتتمثل الالتزامات في دفع الجزية مقابل الحماية كما فسّره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (ج8، ص139)، إضافةً إلى ضرورة التقيد بأحكام الذمة التي تمنع إظهار الشعائر المخالفة علنًا، كما أوضح ابن عابدين في "حاشية رد المحتار" (ج4، ص195).

2.2. المستأمنون والمعاهدون

يُقسم المسلمون في دار الإسلام إلى:

  • المستأمنون: وهم من يُقبلون بدخول دار الإسلام بإذن مؤقت، كما يذكر السرخسي في "شرح السير الكبير" (ج5، ص1073).
  • المعاهدون: وهم من يرتبطون بمعاهدات دولية، مثل التجار والدبلوماسيين، وفقًا لتفسيرات أبو يوسف في "الخراج" (ص122).

3. المسلمون في دار الكفر: الإشكاليات الفقهية

3.1. شرعية الإقامة

تنقسم الآراء الفقهية بشأن إقامة المسلمين في بلاد غير إسلامية إلى:

  • الرأي الجوازي: الذي يرى بأنه تجوز الإقامة إذا أُمن على الدين، مع وجوب الهجرة عند التعذر، كما أشار ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (ج9، ص269).
  • الرأي المنعي: الذي يحرم الإقامة في دار الحرب إلا لضرورات قصوى، كما بيّن السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص356).

3.2. تطبيق الأحكام الشرعية

  • العبادات: يجب على المسلم إقامة الشعائر الدينية مثل الصلاة والصوم مع مراعاة الظروف المحيطة، كما أشار يوسف القرضاوي في "فقه الأقليات المسلمة" (ص89).
  • المعاملات: تُشترط صحة العقود والمعاملات المالية وفقًا للشريعة؛ وهو ما تناوله وهبة الزحيلي في "الفقه الإسلامي وأدلته" (ج8، ص105).

4. الهند نموذجًا: دار عهد أم دار حرب؟

تعد الهند من الحالات الدراسية المثيرة للجدل، إذ يختلف التصنيف الفقهي لها:

  • دار العهد: يستدل بأن الدستور الهندي (المادة 25) يكفل حرية الدين، كما يناقش أنور شاه الكشميري في "العرف الشذي" (ص230).
  • دار الحرب: يُشير بعض التقارير والفتاوى، مثل تلك الصادرة عن جمعية علماء الهند (2020)، إلى وجود اضطهاد للمسلمين في بعض الولايات.

5. تحديات العصر الحديث

5.1. الهوية الدينية في المجتمعات العلمانية

تستلزم التحديات المعاصرة إعادة صياغة الفتاوى بما يتوافق مع واقع التعددية الثقافية والإعلامية؛ كما يوضح طه جابر العلواني في "أصول الفقه الإسلامي" (ص45).

5.2. المواطنة وحقوق الإنسان

يتعارض مفهوم المواطنة في الدول الغربية مع بعض مفاهيم الذمة؛ وقد تناول عبد الله بن بيه في "صناعة الفتوى" (ص112) هذا الموضوع، مؤكدًا ضرورة توافق مبادئ المواطنة مع الحفاظ على الهوية الدينية.


الخاتمة

يتبين من خلال هذه الدراسة أن الفقه الإسلامي يقدم مرونة في التعامل مع قضية إقامة المسلمين في ديار المخالفين، مع الحفاظ على الثوابت الشرعية. وبينما يفرض بعض الآراء ضرورة الانتقال إلى بيئة آمنة لممارسة العبادات، يسمح آخرون بالإقامة في الدول غير الإسلامية بشرط المحافظة على الهوية الدينية وممارسة الشعائر. وفي ظل التحولات المعاصرة، يصبح من الضروري إعادة النظر في بعض الأحكام الفقهية لتلبية متطلبات العصر دون المساس بمقاصد الشريعة وحفظ المصلحة العامة للمسلم.


قائمة المراجع (MLA)

المصادر الأساسية:

  • القرآن الكريم. المصحف الشريف. دار الكتب العلمية.
  • النووي، يحيى بن شرف. روضة الطالبين. دار الكتب العلمية, 1995.
  • السرخسي، محمد بن أحمد. المبسوط. دار المعرفة, 1986.
  • الماوردي، علي بن محمد. الحاوي الكبير. دار الكتب العلمية, 1999.
  • ابن قدامة. المغني. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • ابن تيمية. مجموع الفتاوى. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • الشوكاني. نيل الأوطار. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • الجصاص. أحكام القرآن. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • ابن عابدين. حاشية رد المحتار. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • أبو يوسف. الخراج. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].

الدراسات الحديثة:

  • الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. دار الفكر, 2004.
  • القرضاوي، يوسف. فقه الأقليات المسلمة. مكتبة وهبة, 2001.
  • العلواني، طه جابر. أصول الفقه الإسلامي. المعهد العالمي للفكر الإسلامي, 2010.
  • أنور شاه الكشميري. العرف الشذي. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • عبد الله بن بيه. صناعة الفتوى. [دار النشر], [سنة النشر غير متوفرة].

المراجع الأجنبية:

  • Ramadan, Tariq. Western Muslims and the Future of Islam. Oxford University Press, 2004.
  • Esposito, John. Islam: The Straight Path. Oxford University Press, 2005.

بحث أكاديمي عن موقف الشافعية من إقامة المسلمين في ديار المخالفين

موقف الشافعية من إقامة المسلمين في ديار المخالفين

(بحث أكاديمي)


ملخص البحث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
تتناول هذه الدراسة قضية إقامة المسلمين في ديار المخالفين من منظور الفقه الشافعي، وذلك من خلال تحليل مفهوم "المخالفين" وتقسيم الديار وفقاً للمعايير الشرعية؛ كما يناقش البحث أحكام الإقامة والهجرة، ومسؤوليات المسلم المقيم في بلاد غير إسلامية من جهة حكومية وشعبية، بالإضافة إلى مسائل التجنس والجنسية. يُستند البحث في ذلك إلى المصادر الشرعية الكلاسيكية (القرآن والسنة وكتب الفقه) وأحدث الدراسات المعاصرة في فقه الأقليات، سعياً لتوضيح المقومات الشرعية التي تحكم علاقات المسلمين مع ديار المخالفين وإبراز مرونة المذهب الشافعي في ضوء متطلبات العصر.


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعلنا إنساناً وعلمنا بياناً، وأعطانا القرآن والتبيان؛ والصلاة والسلام على من جعل الخصوم إخوة، وعلى سيدنا محمد النبي الأمين.
إن الشريعة الإسلامية كاملة تشمل جميع نواحي الحياة، وقد أثبت التاريخ أن الدين الإسلامي قادر على معالجة المشكلات المتجددة مهما تغيرت الظروف. وفي ظل ظاهرة الهجرة المتزايدة للمسلمين إلى البلدان الغربية أو غير الإسلامية، يبرز موضوع إقامة المسلم في ديار المخالفين كقضية معقدة تحتاج إلى دراسة فقهية موضوعية تُعيد النظر في مقاصد الشريعة. تهدف هذه الدراسة إلى استقصاء موقف المذهب الشافعي من إقامة المسلمين خارج الديار الإسلامية، مع مقارنة الآراء الفقهية الأخرى وتسليط الضوء على المتطلبات الشرعية التي ينبغي على المسلم الالتزام بها في بيئة غير إسلامية.


الفصل الأول: التقسيم الداروري ومفاهيم المخالفين

1.1. تعريف المخالفين وأقسام مجتمعاتهم

يتناول هذا المبحث مفهوم "المخالفين" في الفقه الإسلامي، إذ يشير إلى تلك المجتمعات التي لا تعتنق الإسلام أو التي تتبنى معتقدات تتعارض مع الشريعة. يُميز الباحث بين:

  • المجتمعات ذات العقيدة الثابتة المناهضة للإسلام؛
  • المجتمعات التي تتعايش مع المسلمين وفق معاهدات سلام؛
  • المناطق التي تشهد فسقاً واضطراباً رغم وجود حكم للمسلمين.
    تُعرض هنا آراء الأئمة والفقهاء بوجه عام، مع إيلاء اهتمام خاص لآراء المذهب الشافعي في تقسيم الديار. يستند الشافعية إلى نصوص شرعية مثل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تُبيّن أن من أحكام الشريعة ما يثبت صحة إقامة المسلم في بيئة تحقق له أداء شعائره، مع بقاء نية العودة إلى دار الإسلام حال تعذر ذلك.

1.2. تقسيم ديار غير المسلمين في المنظور الشافعي

يرى الفقهاء الشافعية أن تقسيم الديار يتم على أساس موقف الدولة غير الإسلامية من الإسلام وأهلها؛ فيُقسم إلى:

  • دار الإسلام: تلك التي تُظهر فيها أحكام الدين وتكون السيادة بيد المسلمين، حتى وإن عاش فيها غيرهم.
  • دار الكفر: التي تسيطر فيها قوى معادية للإسلام ويُفرض عليها التمسك بالمعايير المعيارية للفتنة.
  • دار الفسق: وهي المناطق التي تنتشر فيها المنكرات رغم بقاء الحكم الإسلامي، مما يستدعي التعامل معها بحذر شرعي.
    تستند هذه التقسيمات إلى مؤلفات مثل "روضة الطالبين" للنووي وشرحاته في كتب المذهب الشافعي.

1.3. العلاقة الشرعية بين المسلمين والمخالفين

يناقش هذا الجزء أصول العلاقة بين المسلمين والمخالفين في ضوء الشريعة، من حيث:

  • التعايش والتعاون في ظل مبادئ الدعوة إلى الخير؛
  • مبدأ الولاء والبراء كما يستدل به بعض الأحاديث النبوية؛
  • ضرورة الثبات على الهوية الإسلامية في مواجهة الفتن والتحديات الخارجية.

الفصل الثاني: أحكام الإقامة والهجرة في ديار المخالفين

2.1. معنى الإقامة والهجرة وأسبابها

توضح الدراسة أن الإقامة في بلاد غير إسلامية ليست حركة انسحابية بقدر ما هي إجراء شرعي حفاظاً على الدين؛ إذ يُسمى هذا الأمر "الهجرة إلى الله" بمعنى الانتقال من بيئة تفتقر إلى تمكين الممارسات الدينية إلى بيئة تسهم في استقرار الدين والهوية. وتستعرض الدراسة نصوصاً من القرآن والسنة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت"، مشيرة إلى ضرورة أن تكون النية عند الإقامة مؤقتة مع الاستعداد للعودة إلى دار الإسلام إذا تيسر ذلك.

2.2. موقف الشافعية من أحكام الإقامة والهجرة

يستعرض هذا المبحث الموقف الشافعي بالتفصيل من خلال:

  • آراء أئمة الشافعية في تقسيم الديار والاعتبارات الشرعية للإقامة في بيئة غير إسلامية؛
  • الشروط والضوابط التي يجب توافرها في المساجد والمجتمعات لتأمين أداء العبادات؛
  • أحكام التجنس وجنسية الدولة غير المسلمة، مع توضيح أن التجنس يُعدّ إجراءً تنظيمياً لا ينبغي أن يؤثر على هوية المسلم الدينية.
    يُستدل في هذا السياق بأحاديث نبوية شريفة وآراء فقهية من مصادر مثل "مجموع الفتاوى" والكتب الشافعية التقليدية.

2.3. واجبات المسلم المقيم في ديار المخالفين

تتناول الدراسة واجبات المسلم في التعامل مع حكومة الدولة المضيفة وسكانها، من حيث:

  • احترام القوانين المحلية دون التنازل عن مبادئ الشريعة؛
  • الالتزام بالواجبات الدينية والاجتماعية التي تضمن بقاء الهوية الإسلامية؛
  • دور الدعوة والإعلام في نشر القيم الإسلامية بشكل يبرز جمال الدين ويحقق التعايش السلمي.

الخاتمة

يتوصل البحث إلى أن المذهب الشافعي يقدم رؤية مرنة في مسألة إقامة المسلمين في ديار المخالفين، بشرط الحفاظ على الهوية الدينية وممارسة الشعائر في إطار آداب التعاون مع المجتمع المضيف. ورغم التحديات الناتجة عن العولمة والتغيرات الدولية، فإن الشريعة الإسلامية تظل مرجعية ثابتة لضمان حقوق المسلمين، سواء في بلادهم أو في الخارج. تُستدعى جهود فكرية وبحثية مستمرة لتطوير الفتاوى المتعلقة بالإقامة والهجرة بما يتماشى مع المتغيرات المعاصرة دون المساس بمقاصد الدين.


قائمة المراجع (MLA Style)

المصادر الأساسية:

  • القرآن الكريم. المصحف الشريف. دار الكتب العلمية.
  • النووي، يحيى بن شرف. روضة الطالبين. دار الكتب العلمية, 1995.
  • السرخسي، محمد بن أحمد. المبسوط. دار المعرفة, 1986.
  • الماوردي، علي بن محمد. الحاوي الكبير. دار الكتب العلمية, 1999.
  • ابن تيمية. مجموع الفتاوى. [دار النشر غير متوفر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • الشوكاني. نيل الأوطار. [دار النشر غير متوفر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • الجصاص. أحكام القرآن. [دار النشر غير متوفر], [سنة النشر غير متوفرة.
  • القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. [دار النشر غير متوفر], [سنة النشر غير متوفرة].
  • ابن عابدين. حاشية رد المحتار. [دار النشر غير متوفر], [سنة النشر غير متوفرة].

الدراسات الحديثة:

  • الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. دار الفكر, 2004.
  • القرضاوي، يوسف. فقه الأقليات المسلمة. مكتبة وهبة, 2001.
  • العلواني، طه جابر. أصول الفقه الإسلامي. المعهد العالمي للفكر الإسلامي, 2010.
  • عبد القادر خالد. موقف الشافعية من إقامة المسلمين في ديار المخالفين. دار الإيمان, لبنان, الطبعة الأولى / 1998.
  • عماد بن عامر. الهجرة إلى بلاد غير المسلمين. دار ابن حزم, بيروت, الطبعة الأولى / 2004.
  • محمد سعيد رمضان البوطي. الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه ونمارسه؟ دار الفكر, دمشق, الطبعة الثانية / 1997؛ إعادة 1425هـ - 2002م.

المراجع الأجنبية:

  • Ramadan, Tariq. Western Muslims and the Future of Islam. Oxford University Press, 2004.
  • Esposito, John. Islam: The Straight Path. Oxford University Press, 2005.

Wednesday, 17 February 2016

خطبة عربية: القرن الخامس عشر للتراث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه الفائزين برضى الله.

أيها الأساتذة الفضلاء، والطلبة الأعزاء، وأحبائي في الله،
في هذه المناسبة المباركة، أودُّ أن أشاطركم بعضاً مما توصلت إليه حول موضوع "القرن الخامس عشر للتراث". إن هذا العنوان يستدعي منا اهتماماً بالغاً وعبرةً جمة، ففي زمنٍ يُهمل فيه الكثيرون التراث والعرف والعادات، يصبح من الضروري الرجوع إلى المصدر الأساسي لتعليماتنا، الذي بدأ نزولُ الروح الأمينة عليه السلام على ظهر الجبل؛ فالقرآن والسنة هما معاييرنا الثابتة، كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله."

إن هذه الآية الشريفة تُذكرنا بضرورة العودة إلى المصادر الأصيلة عند بزوغ البدع والفرق والاختلاف. ومن هنا، أودُّ أن ألفت انتباهكم إلى أن من يدّعون التراث ويرفضون العادات التي سادت بين الأمة الإسلامية، فيرفعون أصواتهم ضد ما اعتاد عليه أجدادنا؛ فبينما يهمل البعض فن الحداد ويعتبرون قراءة المولد شكلاً من أشكال الشرك والضلالة، نسألهم: من أي مصدر استقبلتم التراث؟ وما هو المورد الذي روى لكم التعليمات؟

يا إخوتي، إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا خير من علموا كيف تُبلَّغ رسالة الإسلام؛ فقد تولوا تبليغ الدين بعد أن أتم الله دينه يوم العرفة. فقد كان سيدنا أبي بكر رضي الله عنه مثالاً كاملاً في منهج الإسلام، وتلاه سيدنا عمر رضي الله عنه، ثم جاء التابعون والتابعون بتقليد هذا الحبل المتين، حاملين القلائد الإسلامية التي أنارت دروب الأمة في كل مكان. وقد أثبت التاريخ أن التجديد والإصلاح لم ينفصلا عن هذا النهج، إذ جاء المجددون حاملين رسالة التنوير الإسلامي عندما اشتدت أفاعيل الأعداء، وظلت أسماؤهم وأعمالهم تجديدية تُضيء صفحات التاريخ.

وإن ولايتنا في كيرالا قد شهدت بروز بدر الإسلام في عهد خاتم النبي الكريم؛ فالمساجد المنتشرة في أنحاء بلادنا تروي قصصاً عجيبة عن أصحاب رسول الله الكرام. وقد انتشر الإسلام بفضل الأيادي المخدومية الشريفة، حتى وصل لواء الإسلام إلى أيدي جمعية العلماء لولاية كيرالا، التي تُسلم لواء الدين إلى أيدي الإمام المهدي، في تجلٍ واضح لغيرة هذه الجمعية عن الدين القويم. ولهذا، أدعوكم جميعاً إلى الصفوف المتماسكة لهذه الجمعية المباركة؛ لعل الله يسهل لنا الصراط إلى الجنة.

وفي الختام، يا أحبائي، أذكركم بأن التراث الإسلامي ليس مجرد موروثٍ قديم بل هو منهج حياة يستمد قوته من القرآن والسنة. فلنُصرة الدين ولنُعيد للأمة مجدها بالتمسك بتلك الأسس الثابتة.
أقول قولي هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.